فصل: ومن باب في الاستنثار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب إسباغ الوضوء:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا منصور عن هلال بن يساف، عَن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قومًا تلوح أعقابهم فقال: ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء».
فيه من الفقه أن المسح لا يجوز على النعلين وأنه لا يجوز ترك شيء من القدم وغيره من أعضاء الوضوء لم يمسه الماء قل ذلك أو كثر لأنه صلى الله عليه وسلم لا يتوعد على ما ليس بواجب.

.ومن باب التسمية على الوضوء:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه».
قلت: قد ذهب بعض أهل العلم إلى ظاهر لفظ الحديث فأوجب إعادة الوضوء إذا ترك التسمية عامدا وهو قول إسحاق بن راهويه.
قال آخرون معناه نفي الفضيلة دون الفريضة كما روي لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد أي في الأجر والفضيلة، وتأوله جماعة من العلماء على النية وجعلوه ذكر القلب. وقالوا وذلك أن الأشياء قد تعتبر بأضدادها فلما كان النسيان محله القلب كان محل ضده الذي هو الذكر بالقلب وإنما ذكرُ القلب النية والعزيمة.

.ومن باب يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَن أبي رزين وأبي صالح، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده».
قلت: قد ذهب داود ومحمد بن جرير إلى إيجاب غسل اليد قبل غمسها في الإناء ورأيا أن الماء ينجس به إن لم تكن اليد مغسولة، وفرق أحمد بين نوم الليل ونوم النهار. قال وذلك لأن الحديث إنما جاء في ذكر الليل في قوله: «إذا قام أحدكم من الليل» ولأجل أن الإنسان لا يتكشف لنوم النهار ويتكشف غالبا لنوم الليل فتطوف يده في أطراف بدنه فربما أصابت موضع العورة وهناك لوث من أثر النجاسة لم ينقه الاستنجاء بالحجارة فإذا غمسها في الماء فسد الماء بمخالطة النجاسة إياه، وإذا كان بين اليد وبين موضع العورة حائل من ثوب أو نحوه كان هذا المعنى مأمونًا.
وذهب عامة أهل العلم إلى أنه غمس يده في الإناء قبل غسلها فإن الماء طاهر ما لم يتيقن نجاسة بيده وذلك لقوله: «فإنه لا يدري أين باتت يده» فعلقه بشكل وارتياب، والأمر المضمن بالشك والارتياب لا يكون واجبا وأصل الماء الطهارة وبدن الإنسان على حكم الطهارة كذلك، وإذا ثبتت الطهارة يقينا لم تزل بأمر مشكوك فيه.
وفي الخبر دليل على أن الماء القليل إذا وردت عليه النجاسة وإن قلت غيرت حكمه لأن الذي يعلق باليد منها من حيث لا يرى قليل، وكان من عادة القوم في طهورهم استعمال ما لطف من الآنية كالمخاضب والمراكن والركاء والأداوي ونحوها من الآنية التي تقصر عن قدر القلتين.
وفيه من الفقه أن القليل من الماء إذا ورد على النجاسة على حد الغلبة والكثرة أزالها ولم يتنجس بها لأن معقولا أن الماء الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبه من الإناء على يده أقل من الماء الذي أبقاه في الإناء; ثم قد حكم للأقل بالطهارة والتطهير وللأكثر بالنجاسة فدل على الفرق بين الماء واردا على النجاسة ومورودا عليه النجاسة.
وفيه دليل على أن غسل النجاسة سبعا مخصوص به بعض النجاسات دون بعض وأن ما دونها من العدد كاف لإزالة سائر الأنجاس، والعدد الثلاثة في هذا الخبر احتياط واستظهار باليقين لأن الغالب أن الغسلات الثلاث إذا توالت على نجاسة عين أزالتها وأذهبتها، وموضع النجاسة هاهنا غير مرئي العين فاحتيج إلى الاستظهار بالعدد ليتيقن إزالتها ولو كانت عينها مرئية لكانت الكفاية واقعة بالغسلة الواحدة مع الإزالة.
وفيه من الفقه أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه وأن ما عداه غير مقيس عليه.
وفي الحديث من العلم أن الأخذ بالوثيقة والعمل بالاحتياط في طب العبادات أولى.

.ومن باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم:

قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد، يَعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة عن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس قال دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد أهرق الماء فدعا بوضوء فأتيناه بتور فيه ماء فقال يا بن عباس: ألا أريك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ قلت: بلى. فأصغى الإناء على يده فغسلها ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى ثم غسل كفيه ثم تمضمض واستنثر ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه ثم ألقم إبهامه ما قبل من أُذُنيه ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك ثم أخذ بكفه اليمنى قبضةً من ماء فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا ثم مسح رأسه وظهور أذنيه ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيه النعل ففتلها بها ثم الأخرى مثل ذلك قال: قلت وفي النعلين قال في النعلين قال: قلت وفي النعلين قال وفي النعلين قال: قلت وفي النعلين قال وفي النعلين.
قوله: استنثر معناه استنشق الماء ثم أخرجه من أنفه وأصله مأخوذ من النثرة وهي الأنف، ويقال نثر الرجل نثرا إذا عطس.
وقوله: تستن على وجهه معناه تسيل وتنصب يقال سننت الماء إذا صببته صبا سهلا، وفيه أن مسح باطن الأذن مع الوجه وظاهرهما مع الرأس، وكان الشعبي يذهب إلى أن باطن الأذنين من الوجه وظاهرهما من الرأس.
وأما مسحه على الرجلين وهما في النعلين فإن الروافض ومن ذهب مذهبهم في خلاف جماعة المسلمين يحتجون به في إباحة المسح على الرجلين في الطهارة من الحدث واحتج بذلك أيضًا بعض أهل الكلام وهو الجُبائي زعم أن المرء مخير بين غسل الرجل ومسحها.
وحكي ذلك أيضًا عن محمد بن جرير محتجين بقوله تعالى: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] قالوا والقراءة بالخفض في أرجلكم مشهورة وموجبها المسح.
وهذا تأويل فاسد مخالف لقول جماعة الأمة.
فأما احتجاجهم بالقراءة في الآية فلا درَكَ لهم فيها لأن العطف قد يقع مرة على اللفظ المجاور ومرة على المعنى المجاور، فالأول كقولهم جحر ضبٍ خربٍ والخرب من نعت الجحر وهو مرفوع وكقول الشاعر:
كأن نسج العنكبوت المرمل

وقول الآخر:
معاوي إننا بشر فاسجح ** فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وإذا كان الأمر في ذلك على مذهب اللغة وحكم الإعراب سواء في الوجهين وجب الرجوع إلى بيان النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه أنه قال: ويل للأعقاب من النار.
فثبت أن استيعاب الرجلين غسلا واجب.
قلت: وقد يكون المسح في كلام العرب بمعنى الغسل.
أخبرني الأزهري حدثنا أبو بكر بن عثمان، عَن أبي حازم، عَن أبي زيد الأنصاري قال: المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح، ويقال مسح الله ما بك أي أذهبه عنك وطهرك من الذنوب.
وأما هذا الحديث فقد تكلم الناس فيه، قال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه، وقال ما أدري ما هذا. وقد يحتمل أن ثبت الحديث أن يكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه وإن كان في النعل ويدل على ذلك قوله ففتلها بها ثم الأخرى مثل ذلك، والحفنة من الماء إنما كفت مع الرفق في مثل هذا. فأما من أراد المسح على بعض القدم فقد يكفيه ما دون الحفنة وقد روي في غير هذه الرواية عن علي رضي الله عنه أنه توضأ ومسح علي نعليه وقال هذا وضوء من لم يحدث. وإذا احتمل الحديث وجهًا من التأويل يوافق قول الأمة فهو أولى من قول يكون فيه مفارقتهم والخروج من مذاهبهم.
والعجب من الروافض تركوا المسح على الخفين مع تظاهر الأخبار فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم واستفاضة علمه على لسان الأمة وتعلقوا بمثل هذا التأويل من الكتاب وبمثل هذه الرواية من الحديث ثم اتخذوه شعارا حتى إن الواحد من غلاتهم ربما تألى فقال برئت من ولاية أمير المؤمنين ومسحت على خفي إن فعلت كذا.
وحدثني إبراهيم بن فراس حدثنا أحمد بن علي المروزي حدثنا ابن أبي الجوال أن الحسن بن زيد عتب على كاتب له فحبسه وأخذ ماله فكتب إليه من الحبس.
أشكو إلى الله ما لقيت ** أحببت قومًا بهم بليت

لا أشتم الصالحين جهرا ** ولا تشيعت ما بقيت

أمسح خفي ببطن كفي ** ولو على جيفة وطيت

قال فدعا به من الحبس ورد عليه ماله وأكرمه.
قال أبو داود: حدثنا مسدد وقتيبة عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب، عَن أبي أمامة وذكر وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الماقين قال وقال الأذنان من الرأس.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة قال حماد لا أدري هو قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من أبي أمامة، يَعني قصة الأذنين.
الماق طرف العين الذي يلي الأنف، وفيه ثلاث لغات ماق ومأق مهموز وموق، فالماق يجمع على الآماق وموق يجمع على المآقي.
وقوله الأذنان من الرأس فيه بيان أنهما ليستا من الوجه كما ذهب إليه الزهري وأنه ليس باطنهما من الوجه وظاهرهما من الرأس كما ذهب إليه الشعبي.
وممن ذهب إلى أنهما من الرأس ابن المسيب وعطاء والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول الثوري وأصحاب الرأي ومالك وأحمد بن حنبل. وقال الشافعي هما سنة على حيالهما ليستا من الوجه ولا من الرأس. وتأول أصحابه الحديث على وجهين: أحدهما: أنهما يمسحان مع الرأس تبعًا له؛ والآخر: أنهما يمسحان كما يمسح الرأس ولا يغسلان كالهمجة وإضافتهما إلى الرأس إضافة تشبيه وتقريب، لا إضافة تحقيق، وإنما هو في معنى دون معنى، كقول: مولى القوم منهم، أي في حكم النصرة والموالاة، دون حكم النسب واستحقاق الإرث. ولو أوصى رجل لبني هاشم لم يعط مواليهم ومولى اليهودي لا يؤخذ بالجزية.
وفائدة الكلام ومعناه عندهم إبانة الأذن عن الوجه في حكم الغسل وقطع الشبهة فيها لما بينهما من الشبه في الصورة، وذلك أنهما وجدتا في أصل الخلقة بلا شعر وجعلتا محلا لحاسة من الحواس ومعظم الحواس محله الوجه فقيل الأذنان من الرأس ليعلم أنهما ليستا من الوجه.

.ومن باب في الاستنثار:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صَبرة عن أبيه لقيط بن صبرة قال: «كنت وافد بني المُنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نصادفه في منزله وصادفنا عائشة أم المؤمنين قال فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا. قال: وأوتينا بقناع قال والقناع طبق فيه تمر. ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل أصبتم شيئا أو أمر لكم بشيء قال قلنا نعم يا رسول الله قال فبينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر. قال: ما ولدت يا غلام قال بهمة. قال: فاذبح لنا مكانها شاة ثم قال: لا تحسِبن، ولم يقل لا تحسَبن أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة. قال: قلت: يا رسول الله إن لي امرأة وإن في لسانها شيئا، يَعني البذاء، قال: فطلقها إذًا، قال: قلت: يا رسول الله! إن لها صحبة، ولي منها ولد. قال: فمرها، يقول عظها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظَعِينتك كضربك أُميتك. قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلاّ أن تكون صائما».
قوله: «أمرت لنا بخزيرة»، فإن الخزيرة من الأطعمة ما اتخذ بدقيق ولحم، والخزيرة حساء من دقيق ودسم، والقناع الطبق، وسمي قناعا لأن أطرافه أقنعت إلى داخل، أي عطفت.
وقوله: «تيعر» من اليُعار وهو صوت الشاة، وقوله: «ما ولَّدت» هو مشددة اللام على معنى خطاب الشاهد. وأصحاب الحديث يروونه على معنى الخبر يقولون ما ولدت خفيفة اللام ساكنة التاء أي ما ولدت الشاة، وهو غلط يقال ولَّدت الشاة إذا أحضرت ولادها فعالجتها حتى يبين منها الولد وأنشدني أبو عمر في ذكر قوم:
إذا ما ولَّدوا يومًا تنادوا ** أجديٌ تحت شاتك أم غلام

والبهمة ولد الشاة أول ما يولد يقال للذكر والأنثى بهمة. وقوله: «لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها» معناه ترك الاعتداد به على الضيف والتبرؤ من الرياء.
وقوله: «ولا تحسبن» مكسورة السين إنما هو لغة عُليا مضر وتحسبن بفتحها لغة سفلاها وهو القياس عند النحويين لأن المستقبل من فعل مكسورة العين يفعل مفتوحتها كقولهم علم يعلم وعجل يعجل إلاّ أن حروفا شاذة قد جاءت نحو نعِم ينعِم ويئس ييئس وحسب يحسب، وهذا في الصحيح، فأما المعتل فقد جاء فيه ورِم يرِم ووثق يثق وورع يرِع وورِي يرِي.
وقوله: «لا تضرب ظعينتك كضربك أميتك» فإن الظعينة هي المرأة وسميت ظعينة لأنها تظعن مع الزوج وتنتقل بانتقاله. وليس في هذا ما يمنع من ضربهن أو يحرمه على الأزواج عند الحاجة إليه فقد أباح الله تعالى ذلك في قوله: {فعظوهن واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34] وإنما فيه النهي عن تبريح الضرب كما يضرب المماليك في عادات من يستجيز ضربهم، ويستعمل سوء الملكة فيهم. وتمثله بضرب المماليك لا يوجب إباحة ضربهم، وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذم لأفعالهم ونهاه عن الاقتداء بها.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ضرب المماليك إلاّ في الحدود وأمرنا بالإحسان إليهم وقال: من لم يوافقكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله.
فأما ضرب الدواب فمباح لأنها لا تتأدب بالكلام ولا تعقل معاني الخطاب كما يفعل الإنسان، وإنما يكون تقويمها غالبا بالضرب، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرك بعيره بمحجنه ونخس جمل جابر رضي الله عنه حين أبطأ عليه فسبق الركب حتى ما يملك رأسه.
وفي الحديث من الفقه أن الاستنشاق في الوضوء غير واجب ولو كان فرضًا فيه لكان على الصائم كهو على المفطر، ونرى أن معظم ما جاء من الحث والتحريض على الاستنشاق في الوضوء إنما جاء لما فيه من المعونة على القراءة وتنقية مجرى النفس النذي يكون به التلاوة. وبإزالة ما فيه من الثفل تصح مخارج الحروف.
وقال ابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه إذا ترك الاستنشاق في الوضوء أعاد الصلاة وكذلك إذا ترك المضمضة.
وفي الحديث دليل على أن ما وصل إلى الدماغ من سعوط ونحوه فإنه يفطر الصائم كما يفطره ما يصل إلى معدته إذا كان ذلك من فعله أو بإذنه.
وفي الحديث دليل على أنه بالغ في الاستنشاق ذاكرا لصومه فوصل الماء إلى دماغه فقد أفسد صومه.
وقوله: «أخبرني عن الوضوء» فإن ظاهر هذا السؤال يقتضي الجواب عن جملة الوضوء إلاّ أنه صلى الله عليه وسلم لما اقتصر في الجواب على تخليل الأصابع والاستنشاق علم أن السائل لم يسأله عن حكم ظاهر الوضوء وإنما سأله عما يخفى من حكم باطنه وذلك لأن آخذ الماء قد يأخذه بجمع الكف وضم الأصابع بعضها إلى بعض فيسد خصاص ما بينها فربما لم يصل الماء إلى باطن الأصابع وكذلك هذا في باطن أصابع الرجل لأنها ربما ركب بعضها بعضا حتى تكاد تلتحم فقدم له الوصاة بتخليلها ووكد القول فيها لئلا يغفلها والله أعلم.